والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا
السؤال: هل يشرع الجهر بالقراءة في النوافل؟
الجواب:الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلم يرد في قراءة التطوع ما يمنع الجهر والإسرار في صلاة الليل و النهار، وعليه فيباح الجهر والإسرار للذكور والنساء على حد سواء، غير أنه إذا خشي من الافتتان بصوت المرأة لوجود أجانب غير محارمها فعليها بخفض صوتها فلا ترفعه إلا قدر ما تسمع نفسها لأن أمور المرأة مبنية على الستر، وخفض صوتها أنسب لذلك، ويشهد لذلك عدة نظائر في الشرع منها:
عدم جواز رفع صوتها بالتلبية وفي تكبير يوم العيد فلا ترفع صوتها بأكثر مما تحتاجه لإسماع نفسها إن كانت بحضرة الأجانب و يجوز لها رفع الصوت إذا انفردت أو كانت مع المحارم، و كذلك لا يشرع لها التسبيح إذا سها الإمام أو نسي وإنما تصفق للحديث الذي أخرجه مسلم "التسبيح للرجال و التصفيق للنساء "(١).
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
الجزائر في7 ذي الحجة 1417هـ
الموافق لـ 14 أفريل 1997 م
١- رواه البخاري كتاب أبواب العمل في الصلاة باب التصفيق للنساء(1203) ,ومسلم كتاب الصلاة (982)، وأبو داود كتاب الصلاة باب التصفيق في الصلاة(940)، والترمذي كتاب أبواب الصلاة باب ما جاء في أنّ التسبيح للرجال والتصفيق للنساء(470)، والنسائي كتاب السهو باب التصفيق في الصلاة(1215)، وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب التسبيح للرجال في الصلاة والتصفيق للنساء(1087) وأحمد(2/514) رقم(7497)والدارمي(1414)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
كيف فرضت الصلاة؟
السؤال: كيف كانت صلاة النّبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل أن تفرض أربعاً ؟ وهل هي منسوخة ؟.
هل يمكن قياس صلاة النّبي صلى عليه وسلم بمكة التي سمِّيت عندهم بدار الحرب على ما نحن عليه الآن ؟ مع العلم أنّهم يقولون إنّهم في دار الحرب.
الجواب:الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم النّبيين وإمام المرسلين محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين أمّا بعد:
فإنّ الصلاة المفروضة كانت قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر وقبل الغروب في وقت العصر، وقيام الليل كان واجباً على النّبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمّته حولاً ثمّ نسخ في حق الأمّة وجوبه، ثمّ نسخ الله تعالى ذلك كلّه ليلة الإسراء بخمس صلوات قال الله تعالى:﴿ وَسَبِّح بحَمْدِ رَبِّكَ قبْلَ طُلُوِع الشَّمْسِ وَقبْلَ الغُرُوبِ﴾ [ق:39] هذا ما ذكره العلماء وبه قال أهل التفسير والإشكال الحاصل بين حديث عائشة -رضى الله عنها- في قولها" فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر،فأُقِرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر"(١) وبين حديث ابن عباس قال" فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعتين"(٢) يزول بدفع التعارض بأن يُقال بأنّ الصلوات الخمس فُرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلاّ المغرب، ثمّ زِيدت بعد الهجرة إلاّ الصبح على ما رواه ابن خزيمة وابن حبان عن عائشة – رضي الله عنها –
ثم بعد أن استَقَرَ فرض الرباعية خفّف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: ﴿ فلََيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تقصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ﴾ [النساء:101] ويكون المراد من قول عائشة " وأقرت في السفر على فرضها ركعتين " أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف.
وبعد هذا التّبيان فإنّ ما وجب على الّنبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات الخمس ليلة الإسراء إنّما كان بمكة ولم تكن حالتئذ بدار إسلام، وكانت تؤدى ركعتين ركعتين فإن أُريد بإلحاق صلاتهم على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فلم تتميز وقتئذ دار الإسلام عن دار حرب، وإن أُريد بالإلحاق بعد الهجرة وظهور دار الإسلام فإنّ إلحاق صلاتهم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ظاهر البطلان لاستقرار فرض الرباعية ولا يجوز القصر إلاّ من شملهم أمر التخفيف.
والله أعلم و فوق كلّ ذي علم عليم وآخر دعونا أن الحمد الله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه والتابعين.
١- أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء(350)، ومسلم كتاب صلاة المسافرين(1603)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٢- أخرجه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها(1604)، والنسائي في كتاب صلاة الخوف(1543)،وأحمد(2333) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
ضابط إقامة الجمعة
السؤال: أربعة أشخاص يعملون حُرّاسا في مؤسسة وطنية يتعذر عليهم الذهاب كلّهم إلى الجمعة وترك المؤسسة علما بأنّ فيها عتاداً ثمينا وأفراناً مشعلة باستمرار. فهل يجوز لهم ترك الجمعة أو التناوب في الذهاب ؟ أفتونا مأجورين.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فإنّ كلّ من يشق عليه الذهاب إلى الجمعة لعذر لصيق به فقد رخص الشارع له ترك الجماعة إذا كان العذر قائما سواء كان مدينا معسرا أو خائفا من حبس أو مختفيا من حاكم أو مريضا يخاف زيادة المرض أو تأخيره. والعلماء يلحقون من يقوم بتمريضه على وجه لا يسع الاستغناء عنه. كذلك يدخل في العذر من خاف على نفسه مفسدة أو على أمواله ضياعا أو خشي إتلاف الأمانات التي بحوزته والداخلة في حراسته ويدلّ عليه ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:" من سمع المنادي فلم يمنعه من اتّباعه عذر-قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلّى"(١) وفي رواية لابن ماجه :"من سمع النّداء فلم يجب فلا صلاة له إلاّ من عذر"(٢).
غير أنّه إن أمكن تفادي ترك الجمعة على الجميع وجب العمل على التفادي كأن يصلي بعضهم في مسجد قريب تقام الجمعة في وقت الظهر عند الزوال فللبعض الآخر الصلاة بعد أول وقت الظهر وعندئذ يحصل التوفيق، وإن تعذر ذلك وأمكن المحافظة على الأموال وعدم تعرضها للتلف بالواحد وجبت الجمعة على غيره لأنّ المَيْسُورَ لاَ يَسْقُطُ بِالمَعْسُور(٣) وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه ويتداول في شأن المعذور. ذلك لأنّ المقدور عليه لايسقط بسقوط المعجوز عنه فعليهم أن يأتوا بما قدروا عليه ويسقط عنهم ما عجزوا عليه إذ القاعدة تقول: إنّ المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف على ما قرره القرافي في فروقه(٤).
ومع ذلك كله، فإن وجدوا عملا آخر يتيح لهم إقامة الجمعة وشهود الجماعات فالواجب التحول إليه والالتحاق به محافظة على العبادات والتزام الطاعات.
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه.
١- أخرجه أبو داود أول كتاب الصلاة باب في التشديد في ترك الجماعة(551)، والدارقطني في سننه(1576)، والبيهقي(5249)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال الألباني في الإرواء:(2/336) (ضعيف بهذا اللفظ). وقال في المشكاة:وإسناده ضعيف فيه أبو جناب يحيى ابن أبي حية الكلبي وهو ضعيف مدلس، وقد عنعنه لكن صح الحديث بلفظ آخر –سيأتي في الكتاب-صححه جماعة وقد تكلمت عليه في صحيح أبي داود(560). وضعفه كذلك في تمام المنة ص: ( 327)
٢- أخرجه ابن ماجه كتاب المساجد والجماعة باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وابن حبان كتاب الصلاة باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها، والحاكم كتاب الصلاة (1/363). والحديث صححه الألباني في الإرواء(2/337) وفي تمام المنة (ص327) وفي صحيح الترغيب والترهيب(1/301) رقم (426).
٣- وهذه القاعدة من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" [انظر الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/155].
٥- الفروق للقرافي (3/198).
الصيغة المشروعة في التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في تحية الصلاة
السؤال: هل التحية التي نذكر في الصلاة توقيفية أو توفيقية؟ "السلام على النبي" أو "السلام عليك أيّها النبي"؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فكلا الصيغتين توقيفي غير أنّ صيغة "السلام عليك أيّها النبي" ذكرت بكاف الخطاب في التشهد والنبي صلى الله عليه وسلّم حي بين أظهر الصحابة رضي الله عنهم، والصيغة الأخرى وهي "السلام على النبي" ترك فيها الصحابة الخطاب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم وذكروه بلفظ الغيبة, قال ابن مسعود رضي الله عنه: "وهو بين ظهرانينا, فلمّا قبض قلنا: السلام على النبي"(١).
ولا يخفى أنّ الصحابة لا يعدلون عن توقيف إلاّ بتوقيف آخر، وأمّا أثر عمر بن الخطاب الذي أخرجه مالك رحمه الله(٢)فغاية ما يدلّ عليه تأكيد الصيغة بكاف الخطاب وتنفي ما عداه، بينما صيغة ابن مسعود رضي الله عنه مبنية على التأسيس والإثبات، وما تقرر عند علماء الأصول أنّ التأسيس مقدم على التأكيد، والمثبت مقدم على النافي.
والعلم عند الله؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما.
١- أخرجه البخاري كتاب الاستئذان باب الأخذ باليد، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وانظر صفة الصلاة للشيخ الألباني (161)، وإرواء الغليل(2/26) رقم(321).
٢- قال ابن عبد البر في الاستذكار:(1/483): "ولمّا علم مالك أنّ التشهد لا يكون إلاّ توقيفا عن النبي صلى الله عليه وسلم اختار تشهد عمر، لأنّه كان يعلّمه للناس وهو على المنبر من غير نكير عليه من أحد من الصحابة وكانوا متوافرين في زمان، وأنّه كان يعلمه من التابعين وسائر من حضره من الداخلين في الدين، ولم يأت عن أحد حضره من الصحابة أنّه قال ليس كما وصفت".
الجمعة للمسافر
السؤال: شخص سافر من الجزائر إلى الشلف وبقي فيها ثلاثة أيام، وفي اليوم الثاني كانت الجمعة، فهل له أن يصلي الجمعة في المسجد أم لا؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فله أن يصلي الجمعة في المسجد وله أيضا أن يصلي الظهر قصرا مع اختلافهم في الأفضلية والأفضل عندي شهود الجمعة والجماعات ما لم يكن يضرب في الأرض ويسير فالظهر قصرا جماعة أفضل لعدم ثبوت دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه صلّى الجمعة في سفره ولا عن الخلفاء الراشدين من بعده كما لم يحفظ عنهم ترك صلاة الجماعة في حضر ولا سفر ولا جهاد.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
ترك صلاة الجمعة من أجل العمل
السؤال: بعض المصالح الخاصّة توجب على عمالها البقاء يوم الجمعة للمداومة في مؤسّستها فهل يصلّون ظهرا أم جمعة؟ وإن كان الأول فهل يجب أن يصلّوها جماعة؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ صلاة الجمعة فرض عين على المسلم الحرّ العاقل البالغ المقيم القادر على السعي إليها الخالي من الأعذار المبيحة للتخلف عنها باتّفاق، لقوله تعالى:}يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُوْدِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[الجمعة 9] ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجمعات، أو ليختمنَّ الله على قلوبهم ثمّ ليكونُنَّ من الغافلين"(١) ولقوله صلى الله عليه وسلم:"من ترك ثلاث جُمَعٍ تهاونا بها طبع الله على قلبه"(٢) هذا، والجمعة تصلح تأديتها في جميع الأماكن سواء في مصر أو قرية أو مسجد أو أبنية بلد، أو الفضاء التابع لها، فالجمعة من جنس الصلوات إجماعا، فهي لا تختص بحكم غيرها إلاّ ما استثناه الدليل، لقوله صلى الله عليه وسلم:وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"(٣)، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل البحرين :"أن جمعوا حيثما كنتم"(٤) وهو شامل لكلّ الأماكن حتى أهل المياه على نحو ما صحّ الأثر عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم."
فإن تعذّر إقامتها لسبب أو لآخر، فقد تقدّم أنّ من شرط وجوب الجمعة أن يكون الساعي لها خاليا من الأعذار المبيحة للتخلّف عنها، وفي الجملة كلّ من تلحقه مفسدة أو مضرة عند السعي إليها فهو معدود من أهل الأعذار عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:"من سمع النداء ولم يجبه، فلا صلاة له إلا من عذر"(٥) والعذر المتمثل في المشقة والحاجة والضرورة الذي هو سبب الرخصة أمر إضافيّ نسبيّ لا أَصْلِي يرجع تقديره إلى اجتهاده الشخصي ووسعه وطاقته الخاصّة وهو موكول إلى دينه وإيمانه وورعه وتقواه في اعتباره، فكلّ مكلّف فقيه نفسه في الأخذ بالرخصة ما لم يجد فيها حدًّا شرعيا فيقف عنده.
وتتميماً للفائدة فإنّ الحديث السابق يفيد –أيضا- أنَّ من شرط وجوب الجمعة والجماعة سماع النداء، وهو شامل بالضرورة المتواجد خارج البلد فضلا عمن بداخله، والاعتبار في سماع النداء أن يكون المؤذن صيتاً، والأصوات هادئة والرياح ساكنة، والعوارض منتفية.
هذا، وممّا تقرر فقهاً، أنَّ من لا تجب عليه الجمعة ولم يحضرها يصلّيها ظهرا.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
١- أخرجه مسلم كتاب الجمعة: باب التغليظ في ترك الجمعة، والدارمي كتاب الصلاة: باب في من يترك الجمعة من غير عذر، والبغوي في شرح السنة كتاب الجمعة: باب وعيد من ترك الجمعة بغير عذر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٢- أخرجه أبوداود كتاب الصلاة :باب تفريع أبواب الجمعة: باب التشديد في ترك الجمعة، والترمذي كتاب الجمعة: باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة و السنة فيها، باب فيمن ترك الجمعة من غير عذر، وأحمد (3/424-425)، وابن حبان كتاب الصلاة: باب صلاة الجمعة رقم (2775) من حديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه، والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (727).
٣- أخرجه البخاري كتاب الصلاة: باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة عن جابر رضي الله عنه.
٤- أخرجه ابن أبي شيبة : باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها، قال الألباني في الضعيفة (2/318): إسناده صحيح على شرط الشيخين
٥- أخرجه ابن ماجة كتاب المساجد والجماعة: باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وابن حبان كتب الصلاة: باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها، والحاكم كتاب الصلاة(1/363)، وانظر الإرواء (2/337)، تمام المنة (367)، صحيح الترغيب والترهيب (1/301) رقم (436).
إلقاء السلام على المصلين في المسجد
السؤال: هل يجوز إلقاء السلام على المصلين في المسجد وهم يصلّون صلاة الجماعة وهل هذا جائز في صلاة النفل والفرض؟
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإذا حملت رواية أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود على نصب لفظة "تسليم" في قوله صلى الله عليه وسلم :"لا غِرارَ في صلاة ولا تسليمَ"(١) يكون ذلك اللفظ معطوفا على لفظ "غرار" ومعناه، لا نقص ولا تسليم في الصلاة لورود النهي عن الكلام في الصلاة بغير كلامها، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :"إنّ الله عزّ وجلّ يُحدث من أمره ما يشاء، وإنّ الله تعالى قد أحدث من أمره أن لا تكلَّموا في الصلاة، فردَّ عليّ السلام"(٢).
غير أنّ المعهود أصوليا أنّ النكرة في سياق النهي تفيد العموم، ويقتضي ذلك تناول تسليم المصلّي على المصلّي، وردّ المصلّي على من سلّم عليه، كما يشمل غير المصلّي على المصلّي كما هو ظاهر من تفسير الإمام أحمد لهذا الحديث بقوله:"أن لا تسلِّم ولا يُسلًَّم عليك.."(٣) لكن هذا العموم غير مراد لقيام دليل تخصيص صورة تسليم غير المصلّي على المصلّي بالإقرار، وردّ المصلّي عليه بالإشارة من فعله صلى الله عليه وسلم، وذلك في عدّة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُباء يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار فسلَّموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول، هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق"(٤) وفي حديث آخر عن صهيب أنّه قال:"مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم –وهو يصلي- فسلّمت عليه فردّ إشارة، قال: ولا أعلمه إلا قال: إشارة بإصبعه"(٥).
ففي هذه الأحاديث دليل على جواز تسليم غير المصلّي على المصلّي حيث أنّ الصحابة رضي الله عنهم سلّموا عليه من غير نكير منه، بل وافقهم عليه بأن ردَّ السلام بالإشارة، ولا يُقال عن هذه الأحاديث أنّها خاصة بالنفل دون الفرض لورود العموم في لفظ "الصلاة" عند قوله صلى الله عليه وسلم :"إنّ في الصلاة لشغلا"(٦) وقوله صلى الله عليه وسلم :"لا تكلموا في الصلاة"(٧)، وهو شامل للنفل والفرض، وإلاّ فإنّه يلزم نسخ الكلام في صلاة النفل دون الفرض، ولا شك أنّ اللازم باطل والملزوم مثله.
هذا، وإن كان السلام على المشتغل بالصلاة جائزا ويكفيه الردّ بالإشارة كما يجوز له أن يردّ بعد فراغه من صلاته، على نحو ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، إلاّ أنّه يُكره الإكثار من السلام على المصلّي وترداده عليه مع كلّ داخل إلى المسجد أو تكرار عليه مع كلّ مار عليه، لأنّ المصلّي يناجي ربّه بالقرآن والذكر والدعاء، الأمر الذي يستدعي الاستغراق بخدمته فلا يصح الاشتغال بغيره لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن في الصلاة لشغلا"(٩) لذلك لا تقاس حالة غير الصلاة على الصلاة للفارق بينهما. قال النووي:(إنّ وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته وتدبر ما يقوله فلا ينبغي له أن يعرج على غيرها).
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
١- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، والحاكم (1/246) وأحمد (2/461)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/229) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (318).
٢- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، والنسائي كتاب السهو: باب الكلام في الصلاة، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (1888).
٣- ذكر هذا القول أبو داود في سننه بعد حديث (لا غِرار في صلاة ولا تسليم) رقم (928).
٤- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، عن ابن عمر رضي الله عنهما وانظر الصحيحة (1/2/633).
٥- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب رد السلام في الصلاة، والنسائي كتاب السهو باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة. والترمذي كتاب مواقيت الصلاة: باب ما جاء في الإشارة في الصلاة، من حديث صهيب رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (858).
٦- متفق عليه، البخاري كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة الحبشة، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
٧- جزء من الحديث السابق (إن الله عزّ وجل يحدث من أمره ما يشاء)
٨- سبق تخريجه.
حكم صلاة المسافر مع الجماعة
السؤال: ما حكم الصلاة مع جماعة المقيمين للمسافر؟
الجواب:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فحكم صلاة المسافر مع الجماعة فإنّ أكثر أهل العلم يرون أنّ المسافر إذا كان نازلا وقت إقامتها فلا جمعة عليه تلزمه، ولكنه يحرص على صلاة الجماعة في المسجد أو في غيره ولا يدعها لأنّ النبي صلى الله وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة، فصلى الظهر والعصر جمع تقديم جماعة ولم يصل جمعة، وكذلك كان فعل الخلفاء وغيرهم من بعده، ولما رواه يزيد بن الأسود قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فجيء بهما ترتعد فرائصهما فقال لهما: «ما منعكما أن تصليا مع الناس، ألستما مسلمين ؟»، قالا:بلى يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا، فقال لهما:« لا تفعلوا إذا صلى أحدكم في رحله ثمّ أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنّها له نافلة»(١)وفي لفظ:«إذا صليتما في رحالكما ثمّ أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنّها لكما نافلة»(٢) ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا كنتما في السفر فأذنا وأقيما ويؤمكما أكبركما"(٣)، ولأن الله أمر بصلاة الجماعة في حال الخوف في قوله تعالى ﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة...﴾ الآية[النساء:102] ففي حال الأمن أولى، لذلك تناول الخطاب الإلهي الجماعة في جميع الأحوال بالتوجيه والإرشاد في قوله تعالى: ﴿ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾[الحج:77]، وقوله تعالى: ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين﴾[البقرة:43].
هذا وإذا اقتدى المسافر بمقيم يتم ولا يقصر لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنّما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه»(٤) ولحديث قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال:كنا مع ابن عباس فقلت: إذا كنّا معكم صلينا أربعا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين قال: "تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم"(٥) وعلى هذا جرى عمل السلف، وبه قال الأئمة الأربعة وغيرهم من جماهير العلماء وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته(٦).
إمّا أن يدرك معه أقل من ركعة فإنّ عليه القصر، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل أقل ما تدرك به الصلاة هو الركعة وبهذا قال الزهري والنخعي ومالك رحمهم الله.
أمّا إذا أدرك معه الركعتين الأخيرتين أو أدرك ركعة واحدة فهو مخير بين الاقتصار على الركعتين أو يتمّ صلاته على ما يشهد لذلك بعض الآثار عن التابعين، وبهذا قال ابن حزم، غير أنّ التخيير لا يلزم منه التسوية لذلك كان الأحبّ عندي إتمامها أربعا موافقة للجمهور، وبه قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما.
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّـد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
١- أخرجه أبو داود في الصلاة:(575) وأحمد:(17940) من حديث يزيد بن الأسود العامري رضي الله عنه.
٢- الترمذي في الصلاة (219). والنسائي في الإمامة(858)، وأحمد(17937)، وصححه الألباني في المشكاة(1152).
٣- أخرجه البخاري في الأذان(630)، ومسلم في المساجد(1570)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
٤- أخرجه البخاري في الأذان(722)، ومسلم في الصلاة(935)، وأحمد(8379)، والدارقطني(1259)، والبيهقي(2379)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٥- أخرجه مسلم في صلاة المسافرين(1609)، والنسائي في تقصير الصلاة في السفر(1443)، وأحمد(1890)، وابن خزيمة(951)، وابن حبان(4/185/2744)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(6/386)، وكذا في إرواء الغليل(3/21).
٦- أخرجه مالك في الموطأ(1/164)، والطحاوي في شرح المعاني (1/244)، عن نافع، وانظر السلسلة الصحيحة(6/388).