chebatta
  fatawa ferkous
 


الصنف: فتاوى الطهـارة
إتمام الطهارة بالتيمم

 

السؤال: مريض إذا أصاب الماء قدمه تضرر هل يتيمم ؟ أم يتوضأ ويسقط العضو؟ أم يجمع بين التيمم والوضوء مع إسقاط العضو؟

إذا كان مرضه هذا مزمنا هل يعتبر فاقدا للعضو فيؤمر بالوضوء مع إسقاط العضو؟

 

الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:

فإذا خاف باستعمال الماء على منفعة عضو حدوث مرض أو زيادته أو تأخر برئه إما بالعادة أو بإخبار طبيب خبير، فالواجب ترك غسل ما لا يقدر على غسله و يعدل إلى التيمم، لأن كل ما عجز عنه المكلف سقط عنه بنص الآية ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا[البقرة:286] ، والحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه -: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(١) فالنص يدل على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة وقد استدل بهذا النص -من جهة أخرى- على أنّ ما دخل تحت الاستطاعة ففرضه العمل، وعليه فلا يكون مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة موجبا للعفو عن جميعه » لأن الميسور لا يسقط بالمعسور»، و»معظم الشيء يقوم مقام كله»، و »الأقل يتبع الأكثر» في كثير من الأحكام خصوصا فيما يحتاط فيه، و من منطلق هذه القواعد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الجنب إذا أصيب بجراحة على رأسه و أكثر أعضائه سليم، فإنه يدع الرأس و يغسل سائر الجسد ويمسح موضع الجراحة عملا بحديث جابر بن عبد الله في الرجل الذي شج فاغتسل فمات فقال صلى الله عليه وسلم : " إنما كان يكفيه أن يتيمم، و يعصب على جرحه خرقة، ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده "(٢). وبما ثبت عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أنه توضأ وكفٌّه معصوبة، فمسح على العصائب وغسل سوى ذلك(٣)، ومدَعّماً جواز المسح على الجبيرة بالقياس على المسح على العمامة والخفين تقوية للنص بالقياس(٤).

وفي تقديري أن هذا الرأي معتبر لو صح الشطر الثاني منه عند قوله :و يعصب على جرحه" و هي - عند أهل الاختصاص - زيادة ضعيفة لا تصلح للاحتجاج وإن ورد في المسح عليها أحاديث أخرى لا يصح تقوية الحكم بها لشدة ضعفها، و لم يثبت فيه سوى الشطر الأول منه(٥). "

وأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما فهو فعل صحابي لا حجة فيه، توجب العمل به لمخالفة غيره من الصحابة له فيه، كابن عباس وعمرو بن العاص، رضي الله عنهما، فالواجب عند اختلاف الصحابة فيما بينهم، التخير من أقوالهم بحسب الدليل، قال ابن تيمية : » وإن تنازعوا رُدَّ ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء »(٦).

أما الاستدلال بالقياس على المسح على العمامة والخفين كأصل في إثبات العبادات فإنه على رأي من لا يجيز القول به في العبادات ظاهر في عدم الاحتجاج به، وأما من يحتج بالقياس في العبادات ويثبته في كل ما جاز إثباته بالنص، إذ القياس الصحيح دائر مع أوامر الشريعة ونواهيها وجودا وعدماَ، إذ ليس في الشريعة ما يخالف القياس(٧). فإن إجراء القياس في هذه المسألة متعذر من عدة جوانب:

الأول: أن القياس فرع تعقُلِ المعنى المعلل به الحكم في الأصل، فيتعذر البناء لعدم تعقل معنى الأصل.

الثاني: أن الأصل المقيس عليه رخصة أي منحة من الله فلا تتعدى فيها موردها إلى غير محلها والقياس مبني على تعدية العلة.

وثالثها: أنه لو سلم هذا القياس بأنه صحيح إلا أنه معارض بتعين الجمع بين الوضوء والتيمم توفيقاَ بين الروايتين جميعا ولا يخفى أن القياس فاسد الاعتبار إذا عارضه نص صحيح أو إجماع موثوق -كما سيأتي-.

هذا، و لا يعطى ما لا يقدر على غسله حكم المعدوم وفق قاعدة التقديرات  لأنه يحتاج إليها إذا دلّ دليل على ثبوت الحكم مع عدم سببه أو شرطه أو مانعه، و إذا لم تدع الضرورة إليها لا يجوز التقدير حينئذ لأنه خلاف الأصل كذا قرره القرافي في فروقه(٨)، ذلك لأن قاعدة إعطاء الموجود حكم المعدوم والمعدوم حكم الموجود ليست من قواعد أصول الخلاف بل تذكر جمعا للنظائر الداخلة تحت هذا الأصل، و لا يخفى عدم ورود دليل يعطي بعض الأعضاء حكم المعدوم في الوضوء، بل في الحديث السابق ما يدل على العدول إلى التيمم عند تعذر استعمال الماء، فضلا عن أن الغاسل لبعض الأعضاء دون الأخرى لا يسمى في عرف الشرع متوضئاً، و لا يصدق عليه أنه أتى بما أمره الله تعالى من الوضوء، لذلك وجب المصير إلى البدل الذي جعله الشرع عوضا عن الوضوء عند تعذر استعمال بعض أعضاء الوضوء، وأن  ما دخل تحت استطاعته من المأمور به وجب الإتيان به، أي وجوب استعمال الماء الذي يكفي لبعض الطهارة، ذلك لأنه ليس مجرد خروج بعضه عن الاستطاعة موجبا للعفو عن جميعه، عملا بقوله تعالى: ﴿فاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ]التغابن:16] وفي حديث أبي هريرة المتقدم "ما أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"  إذ فيهما دليل على العفو عن كل ما خرج عن الطاقة، ووجوب استعمال ما يكفي بعض طهارته مع التيمم للباقي ، وقد وردت بعض ألفاظ روايات حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه وفيه"غسل مغابنه وتوضأ وضوءه للصلاة، ثم صلى بهم فذكر نحوه ولم يذكر التيمم"، قال أبو داود »وروى هذه القصة الأوزاعي عن حسان بن عطية ، قال فيه : " فتيمم "» قال الشوكاني »ورجح الحاكم إحدى الروايتين، وقال البيهقي يحتمل أن يكون قد غسل ما أمكنه وتيمم للباقي، وله شاهد من حديث ابن عباس ومن حديث أبي أمامة عند الطبراني»(٩)، وأيد النووي هذا الجمع بين الوضوء والتيمم وقال» وهو متعين »(١٠)، وجاء في المغني» إذا كان به قرح أو مرض مخوف أو أجنب فخشي على نفسه إن أصاب الماء ، غسل الصحيح من جسده وتيمم لما لم يصبه»(١١). ويرى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الجريح إذا كان محدِثاً حدثاً أصغر يصح أن يتيمم بعد كمال الوضوء، ثم قال»  بل هذا هو السنة»(١٢)، ومثل هذا الجمع ينعكس معنا ه على قاعدة:»الميسور لا يسقط بالمعسور».

 هذا واستعمال التيمم لا يقدر بوقت معين، بل هو مشروع وإن طال العهد لحديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه مرفوعاً "إن الصعيد الطيب طهور وإن لم يجد الماء عشر سنين"(١٣).

والله أعلم و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و على آله وصحبه و التابعين لهم بإحسان و سلم تسليما.


١- متفق عليه.أخرجه البخاري (13/251) ومسلم(9/100) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .

٢- أخرجه أبو داود(1/239)  وابن ماجة(1/189) والحاكم(1/178) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه

٣- سنن البيهقي(1/328)

٤- سبل السلام للصنعاني(1/204)

٥- انظر تمام المنة للألباني(131) وتخريج شرح السنة للأرناؤوط(2/121).

٦- مجموع الفتاوى لابن تيمية(20/14).

٧- المصدر السابق(19/289) إعلام الموقعين لابن القيم(2/71).

٨- الفروق(2/199-203).

٩- نيل الاوطار للشوكاني(1/387).

١٠- الفتح لابن حجر(1/454).

١١- المغني لابن قدامة(1/261).

١٢- الاختيارات الفقهية لابن تيمية للبعلي(ص21)

١٣- أخرجه أبو داود(1/235-237) والترمذي(1/212) والنسائي(1/171) وأحمد(5/146) من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه والحديث صححه الترمذي والألباني في الإرواء(1/181).

في حكم التيمم على فاقد مكان آمن للاغتسال
 

 
 
السؤال: إذا كان الشخص لديه الماء الكافي للغسل من الجنابة، ولكن لا يجد المكان المناسب للاغتسال، فهل هذه الحال مبيحة للتيمم؟ وهل يمكنه دخول المسجد، ومس المصحف، وقراءة القرآن، وهو متيمم؟
 
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما أمّا بعد:
فإنه يستباح التيمم إذا تعذَّر عليه وجود الماء، أو خشي الضرر من استعماله له، إما لعلة مرض أو جرح أو شدة برد بحيث يعجز عن تسخينه، أو تمكَّن لكن تعذَّر عليه وجود مكان ساخن فأشفق على نفسه إن اغتسل هلك، فيجوز له التيمم، غير أنَّ عدم وجدان مكان آمن يسلم في أن يعرض نفسه للهلاك موكول إلى دين المعني بالأمر في تقدير الضرر والهلاك بعدم وجود المكان، ويدل عليه حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقتُ إن اغتسلتُ أن أهلك، فتيممتُ، ثم صليتُ بأصحابي الصبح، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال، وقلت: إني سمعت الله يقول: "وَلا َتَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا"[النساء: 29] فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقل شيئا"(١)، وفي رواية: "فغسل مغابنه، وتوضَّأ وضوءه للصلاة، فذكر نحوه ولم يذكر التيمم"(٢).
هذا، والتيمم يرفع الحدث رفعًا مؤقتًا على الصحيح من أقوال أهل العلم، ويسعه فعل ما يفعله المتوضي الطاهر، غير أنه إذا زال عذره وجب عليه الاغتسال، لأنَّ الحدث بقي مطلقًا لم يرتفع كلية، فيتعين-حالتئذ- الارتفاع المؤقت.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

١- أخرجه أبو داود في الطهارة (334)، وأحمد (18287)، والحاكم (589)، والدارقطني في سننه (693)، والبيهقي (1110)، من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/568): "وإسناده قوي"، وصححه الألباني في صحيح أبي داود (334)، وانظر "الثمر المستطاب" (1/34).                                                                                                  
٢- أخرجه أبو داود في الطهارة (335)،. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (335).
في طهارة المني وطرق تنظيفه
 
 
السؤال: ما هي الكيفية الثابتة في السنة في تنظيف المني؟ وهل هو نجس؟ وهل يصح الأثر الذي رواه الإمام مالك دليلا على نجاسة المني ونصه كما يلي: عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ أَنَّهُ اعْتَمَرَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِى رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَرَّسَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ قَرِيبًا مِنْ بَعْضِ الْمِيَاهِ فَاحْتَلَمَ عُمَرُ وَقَدْ كَادَ أَنْ يُصْبِحَ فَلَمْ يَجِدْ مَعَ الرَّكْبِ مَاءً فَرَكِبَ حَتَّى جَاءَ الْمَاءَ فَجَعَلَ يَغْسِلُ مَا رَأَى مِنْ ذَلِكَ الاِحْتِلاَمِ حَتَّى أَسْفَرَ فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَصْبَحْتَ وَمَعَنَا ثِيَابٌ فَدَعْ ثَوْبَكَ يُغْسَلُ. فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَاعَجَبًا لَكَ يَا عَمْرُو بْنَ الْعَاصِ لَئِنْ كُنْتَ تَجِدُ ثِيَابًا أَفَكُلُّ النَّاسِ يَجِدُ ثِيَابًا وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُهَا لَكَانَتْ سُنَّةً بَلْ أَغْسِلُ مَا رَأَيْتُ وَأَنْضحُ مَا لَمْ أَرَ(١).
 
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فاعلم أنَّ كلاً من المسح والغسل والفرك ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ"(٢) فقد كانت رضي الله عنها تحكُّه من ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يابسًا بظفرها كما ثبت في رواية أخرى(٣)، أمَّا المسح فقالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْلُتُ الْمَنِي مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الإِذْخِرِ ثُمَّ يُصَلِّى فِيهِ وَيَحُتُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ يَابِساً ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ"(٤) وهذا يدلُّ على طهارة المني، إذ لو كان نجسًا لما صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ثوبه، أمَّا الأحاديث الثابتة في غسل مَنِيِّهِ فمنها قول عائشة رضي الله عنها : "كُنْتُ أَغْسِلُ الْجَنَابَةَ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وآله وسلم، فَيَخْرُجُ إِلَى الصَّلاَةِ، وَإِنَّ بُقَعَ الْمَاءِ فِي ثَوْبِهِ"(٥)، فلا تدل على النجاسة وإنما تدل على الندب والأفضل لأنَّ الرجل يحبُّ أن لا يرى على ثوبه أثر المني، وذلك إنما يكون لأجل التنظيف وإزالة القذر والدرن فأشبه بالبزاق والمخاط ونحوهما فإنه يكره بقاؤها على ثياب المصلي وليست نجسة، ولو كان نجسًا لما صحَّ المسح والفرك كما تقدم، فالجمع إذن أن يحمل الغسل على الاستحباب للتنظيف لا على الوجوب كما ذكره ابن حجر في الفتح(٦).
وإذا تقرر ذلك فلا يخرج عن هذا المعنى ما سيق في السؤال من أثر.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.


١- أخرجه مالك في الطهارة (115)، وعبد الرزاق في "المصنف" في الصلاة (1447) من حديث يحيى بن عبد الرحمان بن حاطب رحمه الله.
٢- أخرجه مسلم في الطهارة (694)، والبيهقي (4334)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٣- أخرجه مسلم في الطهارة (700)، والبيهقي (4340)،  من حديث عائشة رضي الله عنها.
٤- أخرجه ابن خزيمة في صحيحه (294)، وأحمد (26812)، والبيهقي (4343)، من حديث عائشة رضي الله عنها. وحسنه الألباني في إرواء الغليل (1/197).
٥- أخرجه البخاري في الوضوء(229)، والنسائي في الطهارة (297)، وابن حبان في صحيحه (1381)، والبيهقي (4350)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٦- فتح الباري لابن حجر: 1/417.
في حكم من شك في طهارته
 
 
السؤال: رجل يعاني من خروج قطرة أو قطرات صغيرة جدًّا بعد الاستنجاء، ولا يعلم هل هي من البَوْلِ أو بقايا ماء الاستنجاء، مما أورثه شكًّا في طهارته، فما هو الحل الشرعي لمشكلته ؟ 
الجواب: الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمَّا بعد:
فإنه إذا تمّ استنجاؤه وفرغ منه فلا عبرة بالشكّ الذي ينتابه بعد حصول اليقين جريًا على قاعدة أنّ «اليقين لا يزول بالشكّ».
أمَّا إذا تيقن خروج البول منه، فإمّا أن يكون على سبيل المرض، وهو من سلس البول، فإنه يجب عليه الوضوء لكل صلاة، ولا يعتدّ بما خرج منه، فإن لم يشعر بخروج شيء منه بقي على وضوئه مستصحبًا له.
أمّا إذا تيقن خروجه على غير وجه المرض، فإنه يعيد الوضوء عملاً بقاعدة: «من تيقن الطهارة وشكّ في الحدث فهو متطهِّر، أو من تيقَّن في الحدث وشكَّ في الطهارة فهو مُحْدِث» فهذه القاعدة مُخَرَّجة على أنّ الأصل: «بقاءُ ما كان على ما كان».
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا
الصنف: فتاوى الصـلاة
الجهر بالقراءة في صلاة النافلة
 
السؤال: هل يشرع الجهر بالقراءة في النوافل؟
 
الجواب:الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فلم يرد في قراءة التطوع ما يمنع الجهر والإسرار في صلاة الليل و النهار، وعليه فيباح الجهر والإسرار للذكور والنساء على حد سواء، غير أنه إذا خشي من الافتتان بصوت المرأة لوجود أجانب غير محارمها فعليها بخفض صوتها فلا ترفعه إلا قدر ما تسمع نفسها لأن أمور المرأة مبنية على الستر، وخفض صوتها أنسب لذلك، ويشهد لذلك عدة نظائر في الشرع منها:
 عدم جواز رفع صوتها بالتلبية وفي تكبير يوم العيد فلا ترفع صوتها بأكثر مما تحتاجه لإسماع نفسها إن كانت بحضرة الأجانب و يجوز لها رفع الصوت إذا انفردت أو كانت مع المحارم، و كذلك لا يشرع لها التسبيح إذا سها الإمام أو نسي وإنما تصفق للحديث الذي أخرجه مسلم "التسبيح للرجال و التصفيق للنساء "(١).
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً.
 
الجزائر في7 ذي الحجة 1417هـ
الموافق لـ  14 أفريل 1997 م
 

١- رواه البخاري كتاب أبواب العمل في الصلاة باب التصفيق للنساء(1203) ,ومسلم كتاب الصلاة (982)، وأبو داود كتاب الصلاة باب التصفيق في الصلاة(940)، والترمذي كتاب أبواب الصلاة باب ما جاء في أنّ التسبيح للرجال والتصفيق للنساء(470)، والنسائي كتاب السهو باب التصفيق في الصلاة(1215)، وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب التسبيح للرجال في الصلاة والتصفيق للنساء(1087) وأحمد(2/514) رقم(7497)والدارمي(1414)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
كيف فرضت الصلاة؟ 
 
 السؤال: كيف كانت صلاة النّبي صلى الله عليه وسلم في مكة قبل أن تفرض أربعاً ؟ وهل هي منسوخة ؟.
هل يمكن قياس صلاة النّبي صلى عليه وسلم  بمكة التي سمِّيت عندهم بدار الحرب  على ما نحن عليه الآن ؟ مع العلم أنّهم يقولون إنّهم في دار الحرب.
 
الجواب:الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم النّبيين وإمام المرسلين محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين أمّا بعد:
فإنّ الصلاة المفروضة كانت قبل الإسراء ثنتين قبل طلوع الشمس في وقت الفجر وقبل الغروب في وقت العصر، وقيام الليل كان واجباً على النّبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمّته حولاً ثمّ نسخ في حق الأمّة وجوبه، ثمّ نسخ الله تعالى ذلك كلّه ليلة الإسراء بخمس صلوات قال الله تعالى:﴿ وَسَبِّح بحَمْدِ رَبِّكَ قبْلَ طُلُوِع الشَّمْسِ وَقبْلَ الغُرُوبِ﴾ [ق:39] هذا ما ذكره العلماء وبه قال أهل التفسير والإشكال الحاصل بين حديث عائشة -رضى الله عنها- في قولها" فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر،فأُقِرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر"(١) وبين حديث ابن عباس قال" فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعتين"(٢) يزول بدفع التعارض بأن يُقال بأنّ الصلوات الخمس فُرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلاّ المغرب، ثمّ زِيدت بعد الهجرة إلاّ الصبح على ما رواه ابن خزيمة وابن حبان عن عائشة – رضي الله عنها –
ثم بعد أن استَقَرَ فرض الرباعية خفّف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: ﴿ فلََيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ  أَنْ تقصُرُوا  مِنَ الصَّلاَةِ﴾ [النساء:101] ويكون المراد من قول عائشة " وأقرت في السفر على فرضها ركعتين " أي باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف.
وبعد هذا التّبيان فإنّ ما وجب على الّنبي صلى الله عليه وسلم من الصلوات الخمس ليلة الإسراء إنّما كان بمكة ولم تكن حالتئذ بدار إسلام، وكانت تؤدى ركعتين ركعتين فإن أُريد بإلحاق صلاتهم على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فلم تتميز وقتئذ دار الإسلام عن دار حرب، وإن أُريد بالإلحاق بعد الهجرة وظهور دار الإسلام فإنّ إلحاق صلاتهم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ظاهر البطلان لاستقرار فرض الرباعية ولا يجوز القصر إلاّ من شملهم أمر التخفيف. 
والله أعلم و فوق كلّ ذي علم عليم وآخر دعونا أن الحمد الله ربِّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه والتابعين.

١- أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء(350)، ومسلم كتاب صلاة المسافرين(1603)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٢- أخرجه مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها(1604)، والنسائي في كتاب صلاة الخوف(1543)،وأحمد(2333) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.
 
ضابط إقامة الجمعة
 
السؤال: أربعة أشخاص يعملون حُرّاسا في مؤسسة وطنية يتعذر عليهم الذهاب كلّهم إلى الجمعة وترك المؤسسة علما بأنّ فيها عتاداً ثمينا وأفراناً مشعلة باستمرار. فهل يجوز لهم ترك الجمعة أو التناوب في الذهاب ؟ أفتونا مأجورين. 
 
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أمّا بعد:
فإنّ كلّ من يشق عليه الذهاب إلى الجمعة لعذر لصيق به فقد رخص الشارع له ترك الجماعة إذا كان العذر قائما سواء كان مدينا معسرا أو خائفا من حبس أو مختفيا من حاكم أو مريضا يخاف زيادة المرض أو تأخيره.  والعلماء يلحقون من يقوم بتمريضه على وجه لا يسع الاستغناء عنه. كذلك يدخل في العذر من خاف على نفسه مفسدة أو على أمواله ضياعا أو خشي إتلاف الأمانات التي بحوزته والداخلة في حراسته ويدلّ عليه ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:" من سمع المنادي فلم يمنعه من اتّباعه عذر-قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض- لم تقبل منه الصلاة التي صلّى"(١) وفي رواية لابن ماجه :"من سمع النّداء فلم يجب فلا صلاة له إلاّ من عذر"(٢).
غير أنّه إن أمكن تفادي ترك الجمعة على الجميع وجب العمل على التفادي كأن يصلي بعضهم في مسجد قريب تقام الجمعة في وقت الظهر عند الزوال فللبعض الآخر الصلاة بعد أول وقت الظهر وعندئذ يحصل التوفيق، وإن تعذر ذلك وأمكن المحافظة على الأموال وعدم تعرضها للتلف بالواحد وجبت الجمعة على غيره لأنّ المَيْسُورَ لاَ يَسْقُطُ بِالمَعْسُور(٣) وما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه ويتداول في شأن المعذور. ذلك لأنّ المقدور عليه لايسقط بسقوط المعجوز عنه فعليهم أن يأتوا بما قدروا عليه ويسقط عنهم ما عجزوا عليه إذ القاعدة تقول: إنّ المتعذر يسقط اعتباره والممكن يستصحب فيه التكليف على ما قرره القرافي في فروقه(٤).
ومع ذلك كله، فإن وجدوا عملا آخر يتيح لهم إقامة الجمعة وشهود الجماعات فالواجب التحول إليه والالتحاق به محافظة على العبادات والتزام الطاعات.  
والله أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه.


١- أخرجه أبو داود أول كتاب الصلاة باب في التشديد في ترك الجماعة(551)، والدارقطني في سننه(1576)، والبيهقي(5249)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال الألباني في الإرواء:(2/336) (ضعيف بهذا اللفظ). وقال في المشكاة:وإسناده ضعيف فيه أبو جناب يحيى ابن أبي حية الكلبي وهو ضعيف مدلس، وقد عنعنه لكن صح الحديث بلفظ آخر –سيأتي في الكتاب-صححه جماعة وقد تكلمت عليه في صحيح أبي داود(560). وضعفه كذلك في تمام المنة ص: ( 327) 
٢- أخرجه ابن ماجه كتاب المساجد والجماعة باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وابن حبان كتاب الصلاة باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها، والحاكم كتاب الصلاة (1/363). والحديث صححه الألباني في الإرواء(2/337) وفي تمام المنة (ص327) وفي صحيح الترغيب والترهيب(1/301) رقم (426).
٣- وهذه القاعدة من أشهر القواعد المستنبطة من قوله صلى الله عليه وسلم "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" [انظر الأشباه والنظائر لابن السبكي 1/155].
٥- الفروق للقرافي (3/198).
الصيغة المشروعة في التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم في تحية الصلاة
 
السؤال: هل التحية التي نذكر في الصلاة توقيفية أو توفيقية؟ "السلام على النبي" أو "السلام عليك أيّها النبي"؟
 
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فكلا الصيغتين توقيفي غير أنّ صيغة "السلام عليك أيّها النبي" ذكرت بكاف الخطاب في التشهد والنبي صلى الله عليه وسلّم حي بين أظهر الصحابة رضي الله عنهم، والصيغة الأخرى وهي "السلام على النبي" ترك فيها الصحابة الخطاب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم وذكروه بلفظ الغيبة, قال ابن مسعود رضي الله عنه: "وهو بين ظهرانينا, فلمّا قبض قلنا: السلام على النبي"(١).
ولا يخفى أنّ الصحابة لا يعدلون عن توقيف إلاّ بتوقيف آخر، وأمّا أثر عمر بن الخطاب الذي أخرجه مالك رحمه الله(٢)فغاية ما يدلّ عليه تأكيد الصيغة بكاف الخطاب وتنفي ما عداه، بينما صيغة ابن مسعود رضي الله عنه مبنية على التأسيس والإثبات، وما تقرر عند علماء الأصول أنّ التأسيس مقدم على التأكيد، والمثبت مقدم على النافي.  
والعلم عند الله؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان وسلّم تسليما.        

١- أخرجه البخاري كتاب الاستئذان باب الأخذ باليد، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.  وانظر صفة الصلاة للشيخ الألباني (161)، وإرواء الغليل(2/26) رقم(321).
٢- قال ابن عبد البر في الاستذكار:(1/483): "ولمّا علم مالك أنّ التشهد لا يكون إلاّ توقيفا عن النبي صلى الله عليه وسلم اختار تشهد عمر، لأنّه كان يعلّمه للناس وهو على المنبر من غير نكير عليه من أحد من الصحابة وكانوا متوافرين في زمان، وأنّه كان يعلمه من التابعين وسائر من حضره من الداخلين في الدين، ولم يأت عن أحد حضره من الصحابة أنّه قال ليس كما وصفت".
             الجمعة للمسافر  
السؤال: شخص سافر من الجزائر إلى الشلف وبقي فيها ثلاثة أيام، وفي اليوم الثاني كانت الجمعة، فهل له أن يصلي الجمعة في المسجد أم لا؟
 
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فله أن يصلي الجمعة في المسجد وله أيضا أن يصلي الظهر قصرا مع اختلافهم في الأفضلية والأفضل عندي شهود الجمعة والجماعات ما لم يكن يضرب في الأرض ويسير فالظهر قصرا جماعة أفضل لعدم ثبوت دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه صلّى الجمعة في سفره ولا عن الخلفاء الراشدين من بعده كما لم يحفظ عنهم ترك صلاة الجماعة في حضر ولا سفر ولا جهاد.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
ترك صلاة الجمعة من أجل العمل
 
السؤال: بعض المصالح الخاصّة توجب على عمالها البقاء يوم الجمعة للمداومة في مؤسّستها فهل يصلّون ظهرا أم جمعة؟ وإن كان الأول فهل يجب أن يصلّوها جماعة؟ 
 
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ صلاة الجمعة فرض عين على المسلم الحرّ العاقل البالغ المقيم القادر على السعي إليها الخالي من الأعذار المبيحة للتخلف عنها باتّفاق، لقوله تعالى:}يَاأَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُوْدِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَومِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا البَيْعَ، ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ[الجمعة 9] ولقوله صلى الله عليه وسلم:"لينتهينَّ أقوامٌ عن وَدْعِهم الجمعات، أو ليختمنَّ الله على قلوبهم ثمّ ليكونُنَّ من الغافلين"(١) ولقوله صلى الله عليه وسلم:"من ترك ثلاث جُمَعٍ تهاونا بها طبع الله على قلبه"(٢) هذا، والجمعة تصلح تأديتها في جميع الأماكن سواء في مصر أو قرية أو مسجد أو أبنية بلد، أو الفضاء التابع لها، فالجمعة من جنس الصلوات إجماعا، فهي لا تختص بحكم غيرها إلاّ ما استثناه الدليل، لقوله صلى الله عليه وسلم:وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا"(٣)، وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل البحرين :"أن جمعوا حيثما كنتم"(٤) وهو شامل لكلّ الأماكن حتى أهل المياه على نحو ما صحّ الأثر عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم."
فإن تعذّر إقامتها لسبب أو لآخر، فقد تقدّم أنّ من شرط وجوب الجمعة أن يكون الساعي لها خاليا من الأعذار المبيحة للتخلّف عنها، وفي الجملة كلّ من تلحقه مفسدة أو مضرة عند السعي إليها فهو معدود من أهل الأعذار عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:"من سمع النداء ولم يجبه، فلا صلاة له إلا من عذر"(٥) والعذر المتمثل في المشقة والحاجة والضرورة الذي هو سبب الرخصة أمر إضافيّ نسبيّ لا أَصْلِي يرجع تقديره إلى اجتهاده الشخصي ووسعه وطاقته الخاصّة وهو موكول إلى دينه وإيمانه وورعه وتقواه في اعتباره، فكلّ مكلّف فقيه نفسه في الأخذ بالرخصة ما لم يجد فيها حدًّا شرعيا فيقف عنده.
وتتميماً للفائدة فإنّ الحديث السابق يفيد –أيضا- أنَّ من شرط وجوب الجمعة والجماعة سماع النداء، وهو شامل بالضرورة المتواجد خارج البلد فضلا عمن بداخله، والاعتبار في سماع النداء أن يكون المؤذن صيتاً، والأصوات هادئة والرياح ساكنة، والعوارض منتفية.
هذا، وممّا تقرر فقهاً، أنَّ من لا تجب عليه الجمعة ولم يحضرها يصلّيها ظهرا. 
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
 

١- أخرجه مسلم كتاب الجمعة: باب التغليظ في ترك الجمعة، والدارمي كتاب الصلاة: باب في من يترك الجمعة من غير عذر، والبغوي في شرح السنة كتاب الجمعة: باب وعيد من ترك الجمعة بغير عذر، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٢- أخرجه أبوداود كتاب الصلاة :باب تفريع أبواب الجمعة: باب التشديد في ترك الجمعة، والترمذي كتاب الجمعة: باب ما جاء في ترك الجمعة من غير عذر، وابن ماجة كتاب إقامة الصلاة و السنة فيها، باب فيمن ترك الجمعة من غير عذر، وأحمد (3/424-425)، وابن حبان كتاب الصلاة: باب صلاة الجمعة رقم (2775) من حديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه، والحديث صححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (727).
٣- أخرجه البخاري كتاب الصلاة: باب جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة عن جابر رضي الله عنه.
٤- أخرجه ابن أبي شيبة : باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها، قال الألباني في الضعيفة (2/318): إسناده صحيح على شرط الشيخين
٥- أخرجه ابن ماجة كتاب المساجد والجماعة: باب التغليظ في التخلف عن الجماعة، وابن حبان كتب الصلاة: باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها، والحاكم كتاب الصلاة(1/363)، وانظر الإرواء (2/337)، تمام المنة (367)، صحيح الترغيب والترهيب (1/301) رقم (436).
إلقاء السلام على المصلين في المسجد
 
السؤال:  هل يجوز إلقاء السلام على المصلين في المسجد وهم يصلّون صلاة الجماعة وهل هذا جائز في صلاة النفل والفرض؟
 
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإذا حملت رواية أبي هريرة رضي الله عنه عند أبي داود على نصب لفظة "تسليم" في قوله صلى الله عليه وسلم :"لا غِرارَ في صلاة ولا تسليمَ"(١) يكون ذلك اللفظ معطوفا على لفظ "غرار" ومعناه، لا نقص ولا تسليم في الصلاة لورود النهي عن الكلام في الصلاة بغير كلامها، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم :"إنّ الله عزّ وجلّ يُحدث من أمره ما يشاء، وإنّ الله تعالى قد أحدث من أمره أن لا تكلَّموا في الصلاة، فردَّ عليّ السلام"(٢).
غير أنّ المعهود أصوليا أنّ النكرة في سياق النهي تفيد العموم، ويقتضي ذلك تناول تسليم المصلّي على المصلّي، وردّ المصلّي على من سلّم عليه، كما يشمل غير المصلّي على المصلّي كما هو ظاهر من تفسير الإمام أحمد لهذا الحديث بقوله:"أن لا تسلِّم ولا يُسلًَّم عليك.."(٣) لكن هذا العموم غير مراد لقيام دليل تخصيص صورة تسليم غير المصلّي على المصلّي بالإقرار، وردّ المصلّي عليه بالإشارة من فعله صلى الله عليه وسلم، وذلك في عدّة أحاديث منها حديث ابن عمر رضي الله عنه قال:"خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قُباء يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار فسلَّموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول، هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون كفه وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق"(٤) وفي حديث آخر عن صهيب أنّه قال:"مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم –وهو يصلي- فسلّمت عليه فردّ إشارة، قال: ولا أعلمه إلا قال: إشارة بإصبعه"(٥).
ففي هذه الأحاديث دليل على جواز تسليم غير المصلّي على المصلّي حيث أنّ الصحابة رضي الله عنهم سلّموا عليه من غير نكير منه، بل وافقهم عليه بأن ردَّ السلام بالإشارة، ولا يُقال عن هذه الأحاديث أنّها خاصة بالنفل دون الفرض لورود العموم في لفظ "الصلاة" عند قوله صلى الله عليه وسلم :"إنّ في الصلاة لشغلا"(٦) وقوله صلى الله عليه وسلم :"لا تكلموا في الصلاة"(٧)، وهو شامل للنفل والفرض، وإلاّ فإنّه يلزم نسخ الكلام في صلاة النفل دون الفرض، ولا شك أنّ اللازم باطل والملزوم مثله.
هذا، وإن كان السلام على المشتغل بالصلاة جائزا ويكفيه الردّ بالإشارة كما يجوز له أن يردّ بعد فراغه من صلاته، على نحو ما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، إلاّ أنّه يُكره الإكثار من السلام على المصلّي وترداده عليه مع كلّ داخل إلى المسجد أو تكرار عليه مع كلّ مار عليه، لأنّ المصلّي يناجي ربّه بالقرآن والذكر والدعاء، الأمر الذي يستدعي الاستغراق بخدمته فلا يصح الاشتغال بغيره لقوله صلى الله عليه وسلم:"إن في الصلاة لشغلا"(٩) لذلك لا تقاس حالة غير الصلاة على الصلاة للفارق بينهما. قال النووي:(إنّ وظيفة المصلي الاشتغال بصلاته وتدبر ما يقوله فلا ينبغي له أن يعرج على غيرها). 
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
 

١- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، والحاكم (1/246) وأحمد (2/461)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/229) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (318).
٢- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، والنسائي كتاب السهو: باب الكلام في الصلاة، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (1888).
٣- ذكر هذا القول أبو داود في سننه بعد حديث (لا غِرار في صلاة ولا تسليم) رقم (928).
٤- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة: باب ردّ السلام في الصلاة، عن ابن عمر رضي الله عنهما وانظر الصحيحة (1/2/633).
٥- أخرجه أبو داود كتاب الصلاة باب رد السلام في الصلاة، والنسائي كتاب السهو باب: رد السلام بالإشارة في الصلاة. والترمذي كتاب مواقيت الصلاة: باب ما جاء في الإشارة في الصلاة، من حديث صهيب رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود (858).
٦- متفق عليه، البخاري كتاب مناقب الأنصار، باب هجرة الحبشة، ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلاة: باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من إباحة من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
٧- جزء من الحديث السابق (إن الله عزّ وجل يحدث من أمره ما يشاء) 
٨- سبق تخريجه.
حكم صلاة المسافر مع الجماعة
 
السؤال: ما حكم الصلاة مع جماعة المقيمين للمسافر؟
 
الجواب:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
 فحكم صلاة المسافر مع الجماعة فإنّ أكثر أهل العلم يرون أنّ المسافر إذا كان نازلا وقت إقامتها فلا جمعة عليه تلزمه، ولكنه يحرص على صلاة الجماعة في المسجد أو في غيره ولا يدعها لأنّ النبي صلى الله وسلم كان يسافر فلا يصلي الجمعة، فصلى الظهر والعصر جمع تقديم جماعة ولم يصل جمعة، وكذلك كان فعل الخلفاء وغيرهم من بعده، ولما رواه يزيد بن الأسود قال: صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر بمنى فجاء رجلان حتى وقفا على رواحلهما، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فجيء بهما ترتعد فرائصهما فقال لهما: «ما منعكما أن تصليا مع الناس، ألستما مسلمين ؟»، قالا:بلى يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا، فقال لهما:« لا تفعلوا إذا صلى أحدكم في رحله ثمّ أدرك الإمام ولم يصل فليصل معه فإنّها له نافلة»(١)وفي لفظ:«إذا صليتما في رحالكما ثمّ أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنّها لكما نافلة»(٢) ولقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا كنتما في السفر فأذنا وأقيما ويؤمكما أكبركما"(٣)، ولأن الله أمر  بصلاة الجماعة في حال الخوف في قوله تعالى ﴿وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة...﴾ الآية[النساء:102] ففي حال الأمن أولى، لذلك تناول الخطاب الإلهي الجماعة في جميع الأحوال بالتوجيه والإرشاد في قوله تعالى: ﴿ياأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون﴾[الحج:77]، وقوله تعالى: ﴿وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين﴾[البقرة:43].
  هذا وإذا اقتدى المسافر بمقيم يتم ولا يقصر لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنّما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه»(٤) ولحديث قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي قال:كنا مع ابن عباس فقلت: إذا كنّا معكم صلينا أربعا وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين قال: "تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم"(٥) وعلى هذا جرى عمل السلف، وبه قال الأئمة الأربعة وغيرهم من جماهير العلماء وقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته(٦).
إمّا أن يدرك معه أقل من ركعة فإنّ عليه القصر، لأنّ النبي صلى الله عليه وسلم جعل أقل ما تدرك به الصلاة هو الركعة وبهذا قال الزهري والنخعي ومالك رحمهم الله.   
أمّا إذا أدرك معه الركعتين الأخيرتين أو أدرك ركعة واحدة فهو مخير بين الاقتصار على الركعتين أو يتمّ صلاته على ما يشهد لذلك بعض الآثار عن التابعين، وبهذا قال ابن حزم، غير أنّ التخيير لا يلزم منه التسوية لذلك كان الأحبّ عندي إتمامها أربعا موافقة للجمهور، وبه قال ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما.  
والعلم عند الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّ اللّهم على محمّـد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما.
 

١- أخرجه أبو داود في الصلاة:(575) وأحمد:(17940) من حديث يزيد بن الأسود العامري رضي الله عنه.
٢- الترمذي في الصلاة (219). والنسائي في الإمامة(858)، وأحمد(17937)، وصححه الألباني في المشكاة(1152).
٣- أخرجه البخاري في الأذان(630)، ومسلم في المساجد(1570)، من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه.
٤- أخرجه البخاري في الأذان(722)، ومسلم في الصلاة(935)، وأحمد(8379)، والدارقطني(1259)، والبيهقي(2379)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٥- أخرجه مسلم في صلاة المسافرين(1609)، والنسائي في تقصير الصلاة في السفر(1443)، وأحمد(1890)، وابن خزيمة(951)، وابن حبان(4/185/2744)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(6/386)، وكذا في إرواء الغليل(3/21).
٦- أخرجه مالك في الموطأ(1/164)، والطحاوي في شرح المعاني (1/244)، عن نافع، وانظر السلسلة الصحيحة(6/388).
 
 


 
 

 
  10861 visiteurs (23822 hits) Copyright 2007-2015  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement